آخر الأخبار

اتحادا وكالات السفر الأندلسية والبرتغالية يستطلعان إمكانيات فاس-مكناس السياحية

في زمن تتسارع فيه وتيرة التنافس السياحي على المستويين الوطني والدولي، تشهد منطقة فاس-مكناس حراكا دبلوماسيا مكثفا لترسيخ مكانتها على خريطة السياحة الأوروبية. هذا السعي يترجم نفسه عبر استقبال المنطقة، خلال الأسابيع الماضية، وفودا متخصصة من إسبانيا والبرتغال، وذلك في إطار استراتيجية محكمة تهدف إلى تنويع الأسواق السياحية والاستفادة من الزخم المتنامي للقطاع على المستوى الوطني.

وتأتي هذه المبادرات في سياق إقليمي مشجع، حيث حققت المملكة المغربية إنجازا مهما بتصدرها قائمة أفضل الوجهات السياحية أداء عالميا إلى جانب إسبانيا واليابان. هذا النجاح الجماعي يفتح آفاقا واعدة أمام جميع المناطق المغربية للاستفادة من هذا الزخم والانطلاق نحو مرحلة جديدة من التطور السياحي.

الرهان الأندلسي: شراكة استراتيجية واعدة

وفي قلب هذه المبادرات، تبرز زيارة وفد اتحاد وكالات السفر الأندلسية كخطوة محورية نحو بناء جسور تعاون متينة مع السوق الإسباني. لويس آرويو، رئيس الاتحاد الذي يمثل نحو 1600 وكالة سفريات في الأندلس، قاد وفدا مهما اختار عقد اجتماع لجنته التنفيذية في فاس قبل لقاء ممثلي المجلس الجهوي للسياحة.

ولا يخفى أن هذا الاختيار لمكان الاجتماع يحمل دلالات رمزية وعملية، إذ يعكس جدية النوايا من الجانب الإسباني ورغبة حقيقية في استكشاف إمكانيات التعاون. فالأندلس، التي تشهد تطورا سياحيا متناميا، تبحث عن وجهات جديدة ومتنوعة لعملائها، خاصة مع تزايد الوعي بأهمية تجنب الاكتظاط في الوجهات التقليدية.

ومن هذا المنطلق، يؤكد أحمد السنتيسي، رئيس المجلس الجهوي للسياحة بفاس-مكناس، أن هذه المبادرة تندرج ضمن الجهود المبذولة لتعزيز الوجهة وتنويع الأسواق المرسلة للسياح. البرنامج الذي وضع للوفد شمل اكتشاف مدينة فاس العتيقة المدرجة ضمن التراث العالمي لليونسكو، والمدينة الإمبراطورية مكناس، إضافة إلى إقليم مولاي يعقوب المشهور بينابيعه الحارة وإمكانياته في مجال سياحة العافية.

البعد البرتغالي: تكامل في الرؤية الإيبيرية

وبموازاة الجهود الأندلسية، شهدت المنطقة زيارة لا تقل أهمية لوفد من اتحاد وكالات السفر والسياحة البرتغالية، بقيادة بيدرو كوستا فيريرا، رئيس هذه المؤسسة العريقة التي تأسست عام 1950. هذا التوقيت للزيارة ليس عفويا، إذ تحتفل الجمعية البرتغالية بذكراها الـ75، مما يضفي بعدا تاريخيا على هذه الشراكة الناشئة.

كما أن فيريرا، الذي يتمتع بخبرة واسعة في تنظيم مؤتمرات دولية ويملك شبكة علاقات ممتدة في القطاع السياحي الأوروبي، أعرب عن اهتمام متزايد من السياح البرتغاليين بالتراث الثقافي والتاريخي. هذا التوجه يتماشى تماما مع ما تقدمه فاس-مكناس من تراث عريق وتنوع ثقافي يمكن أن يلبي تطلعات هذا السوق المتطور.

وفي هذا السياق، تهدف الورشة التي نظمت حول الترويج للسياحة الثقافية بالشراكة مع المجلس الجهوي للسياحة إلى توجيه المهنيين البرتغاليين نحو الثروات التراثية لفاس ومكناس، في محاولة لتكملة العرض التقليدي المتمحور حول وجهات مغربية أخرى مثل مراكش وأكادير.

سياق إقليمي داعم للتعاون

وتجد هذه المبادرات السياحية سندها في تطور العلاقات المغربية الإيبيرية على مستويات متعددة. فإسبانيا تحتفظ بمكانتها كأول شريك تجاري للمغرب منذ 2013، بحجم تبادل تجاري سنوي يتجاوز 22.5 مليار يورو، وفق ما أكدته وزيرة الدولة الإسبانية للتجارة أمبارو لوبيز سينوفيلا خلال زيارتها الأخيرة للمغرب.

بناء على ذلك، يخلق هذا التطور الاقتصادي مناخا إيجابيا للتعاون السياحي، خاصة مع تعزيز التنسيق في قضايا استراتيجية مثل مراقبة الهجرة ومكافحة الإرهاب. كما أن الشراكة الثلاثية بين المغرب وإسبانيا والبرتغال في تنظيم كأس العالم 2030 توفر إطارا مثاليا لتطوير التعاون السياحي بين هذه البلدان، خاصة وأن هذا الحدث العالمي سيكون بمثابة نافذة استثنائية لعرض المقومات السياحية للدول الثلاث أمام جمهور عالمي واسع.

المقومات السياحية: نقاط قوة وإمكانيات واعدة

وتستند استراتيجية التنويع الأوروبي التي تتبناها فاس-مكناس إلى مقومات فريدة تجعلها وجهة جذابة للسياح الأوروبيين. فالمنطقة تجمع بين التراث التاريخي العريق لمدينتي فاس ومكناس، والإمكانيات الطبيعية المتميزة لإقليم مولاي يعقوب وينابيعه الحارة.

وفي هذا الإطار، تؤكد وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور أن فاس-مكناس تلعب دورا مهما في خارطة طريق السياحة 2023-2026، خاصة في السلاسل المرتبطة بالسياحة الثقافية وسياحة الطبيعة. هذا التوجه الرسمي يوفر دعما مؤسسيا للجهود الجهوية ويرسخ مكانة المنطقة في الاستراتيجية الوطنية.

إضافة إلى ذلك، تزخر المنطقة بتنوع جغرافي يمتد من المناطق الجبلية في الأطلس المتوسط إلى السهول الزراعية الخصبة، مما يوفر إمكانيات متعددة للسياحة الطبيعية والبيئية التي تحظى بإقبال متزايد من السياح الأوروبيين المهتمين بالتجارب الأصيلة والمستدامة.

نحو شراكات طويلة المدى

وعلى صعيد آخر، لا تقتصر الزيارات الأوروبية الأخيرة على مجرد الاستطلاع، بل تهدف إلى وضع أسس شراكات استراتيجية طويلة المدى. الطرفان، الأندلسي والبرتغالي، أعربا عن رغبتهما في وضع اتفاقيات شراكة ملموسة تساهم في تطوير القطاع السياحي الجهوي وتعزيز الروابط الاقتصادية.

وفي هذا الصدد، يؤكد السنتيسي أن هذه الزيارات تأتي في استمرارية لعلاقات التعاون بين المناطق، مشيرا إلى الزيارة السابقة لعمدة غرناطة بدعوة من والي الجهة، مما يعكس إرادة مشتركة لتعزيز التبادل السياحي والاقتصادي بين المغرب والأندلس.

كذلك تطرقت المناقشات إلى قضايا النقل الجوي بين المناطق والفرص التي توفرها كأس العالم 2030. هذا الحدث العالمي يمثل فرصة استثنائية لتعزيز التعاون الثلاثي وتطوير منتجات سياحية مشتركة تستفيد من القرب الجغرافي والروابط التاريخية العميقة بين هذه البلدان.

في المحصلة، تشكل المبادرات الأوروبية الحالية خطوة مهمة في استراتيجية فاس-مكناس لتنويع أسواقها السياحية وتعزيز مكانتها الإقليمية. فالمنطقة تملك المقومات الأساسية اللازمة للنجاح: تراث ثقافي عريق، وطبيعة متنوعة، وموقع استراتيجي، ودعم مؤسسي واضح.

غير أن تحويل هذه الإمكانيات إلى نتائج ملموسة يتطلب جهودا مضاعفة في عدة اتجاهات. تحسين البنية التحتية السياحية، وتطوير منتجات سياحية مبتكرة، وتعزيز الربط الجوي، وبناء شراكات فعلية مع المشغلين الأوروبيين، كلها عوامل ضرورية لضمان استدامة النمو السياحي.

وفي هذا السياق، يبقى الوقت أمام فاس-مكناس محدودا، فكأس العالم 2030 تقترب بسرعة، والمنافسة الوطنية والدولية تشتد باستمرار. لكن مع التخطيط الذكي والتنفيذ المحترف، تستطيع المنطقة أن تحقق طموحاتها في أن تصبح وجهة أوروبية مفضلة، مستفيدة من تراثها العريق وموقعها الاستراتيجي في قلب المتوسط.

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى