آخر الأخبار

المغرب يستضيف أول مكتب أممي للسياحة في أفريقيا

وقّعت المملكة المغربية اتفاقا مع منظمة الأمم المتحدة للسياحة لإنشاء أول مكتب موضوعي للابتكار السياحي في أفريقيا، والذي سيتخذ من الرباط مقرا له. جاء التوقيع على هامش أعمال الدورة 123 للمجلس التنفيذي للمنظمة في مدريد، حيث أبرمت وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور الاتفاق مع الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية زوراب بولوليكاشفيلي.

يهدف المكتب الجديد إلى دعم تطوير القطاع السياحي وتعزيز الابتكار فيه عبر القارة الأفريقية، مما يعكس التزام المغرب بتطوير السياحة على المستوى الإقليمي ويؤكد مكانته كوجهة سياحية رائدة في المنطقة.

اختيار مدروس يعكس تفوقا مغربيا

لم يأت اختيار المغرب لاستضافة هذا المكتب من فراغ، بل جاء بناء على أداء متميز حققته المملكة في القطاع السياحي خلال السنوات الأخيرة. فقد نجحت في استقبال 17.4 مليون سائح دولي في 2024، مسجلة بذلك نموا قدره 20% عن العام السابق، الأمر الذي جعلها الوجهة الأولى في أفريقيا من حيث عدد الزوار.

هذه النتائج لم تأت بالصدفة، وإنما كانت ثمرة لجهود مدروسة شملت تطوير بنية تحتية سياحية متقدمة وإطلاق نظام التأشيرة الإلكترونية الذي سهل كثيرا من دخول السياح. كما استثمرت المملكة بكثافة في الترويج الدولي، مما أدى في النهاية إلى بروز قطاع يساهم بـ7.3% من الناتج المحلي ويدر عائدات تقارب 10.5 مليار دولار.

مهام واسعة تستهدف التنمية الشاملة

من المقرر أن يعمل المكتب الجديد على تنفيذ أجندة 2030 للسياحة في أفريقيا، والتي تهدف أساسا لجعل هذا القطاع محركا حقيقيا للتنمية الاقتصادية عبر القارة. وفي هذا الإطار، يشمل البرنامج المرتقب بناء القدرات وتنظيم ورش عمل متخصصة، فضلا عن إطلاق مسابقات للشركات الناشئة في مجال السياحة.

علاوة على ذلك، يسعى المكتب إلى تحقيق هدف أوسع يتمثل في تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية والمنظمة الأممية، وذلك من أجل تطوير وجهات سياحية مستدامة تعود بالنفع على المجتمعات المحلية. هذا التوجه الطموح ينسجم تماما مع الرؤية الملكية للتعاون الأفريقي التي يقودها الملك محمد السادس منذ سنوات.

سياق اقتصادي مشجع يدعم الطموحات

تأتي هذه الخطوة المهمة في ظل سياق اقتصادي إيجابي، حيث تمكن المغرب من جذب استثمارات أجنبية ضخمة بلغت 60 مليار دولار خلال العقدين الماضيين، خصص منها مبلغ مهم قدره 2.2 مليار للقطاع السياحي تحديدا. وفي الوقت نفسه، يتوقع الخبراء الاقتصاديون نمو الناتج المحلي للمملكة بنسبة 4% خلال العام الجاري.

من ناحية أخرى، فإن الاستقرار السياسي الذي تتمتع به المملكة إلى جانب سياستها المتميزة في الانفتاح الاقتصادي جعلا منها وجهة مفضلة لدى المستثمرين الدوليين. وقد أكدت وزيرة السياحة هذا الأمر بقولها إن الحكومة ملتزمة بمواصلة الإصلاحات الضرورية لتحفيز الاستثمار الخاص وتحسين مناخ الأعمال.

أحداث رياضية مرتقبة تفتح آفاقا جديدة

بالموازاة مع ذلك، يستعد المغرب لاستضافة أحداث رياضية كبرى ستمثل فرصة ذهبية لإبراز إمكاناته السياحية. فعلى المدى القريب، ستحتضن المملكة كأس أمم أفريقيا 2025، بينما ستشارك في تنظيم مونديال 2030 إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال.

هذه الأحداث المهمة ستوفر منصة استثنائية لعرض الإمكانات السياحية المغربية أمام مئات الملايين من المتابعين حول العالم، مما سيساهم بلا شك في تعزيز صورة المملكة كوجهة سياحية عالمية متميزة. وتماشيا مع هذه التطلعات، تستهدف الاستراتيجية الوطنية الوصول لـ26 مليون سائح سنويا بحلول 2030، مع توفير 150 ألف سرير إضافي.

رهان ذكي على الابتكار والشركات الناشئة

بالموازاة مع هذه الجهود، يراهن المغرب بشكل متزايد على الشركات الناشئة كرافد مهم لتطوير قطاع السياحة وتحديثه. وفي هذا السياق، شهدت مسابقة وطنية أخيرة مشاركة 137 مشروعا مبتكرا، حيث تمكنت شركة “إيكودوم” المتخصصة في السياحة المستدامة من الفوز بالمركز الأول.

هذا التوجه الواعي نحو الابتكار أثمر نتائج ملموسة، إذ ساهم في تحسين ترتيب المغرب في مؤشر الشركات الناشئة العالمي بشكل ملحوظ، حيث انتقل للمركز 88 من أصل 118 دولة، مسجلا بذلك أعلى معدل نمو في منطقة شمال أفريقيا بأكملها.

فرصة قارية واعدة في ظل تعاف قوي

على المستوى القاري الأوسع، تشهد السياحة الأفريقية حاليا تعافيا قويا ومتسارعا في أعقاب جائحة كورونا، حيث وصلت أعداد الزوار إلى نسبة مشجعة تبلغ 96% من مستويات ما قبل 2020. وفي الوقت نفسه، تتوقع الدراسات المتخصصة وصول عائدات القطاع السياحي الأفريقي إلى مبلغ ضخم قدره 100 مليار دولار بحلول عام 2030.

الأمر اللافت أن منطقة شمال أفريقيا تقود فعليا هذا التعافي المتميز، حيث سجلت نموا قويا بنسبة 8% مقارنة بمستويات 2019. هذا الوضع الإيجابي يفتح المجال واسعا أمام المكتب الجديد للعب دور محوري ومؤثر في تطوير استراتيجيات مبتكرة للسياحة على نطاق القارة بأكملها.

تقدير دولي يعكس الثقة في النموذج المغربي

لم يمر هذا الأداء المتميز دون تقدير دولي، حيث أشاد الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية بالنموذج المغربي، واصفا المملكة بأنها “نموذج حقيقي في الابتكار والاستدامة” تحت القيادة الملكية الرشيدة. هذا التقدير المهم يعكس بوضوح الثقة الدولية المتنامية في قدرة المغرب على قيادة عملية التطوير السياحي في أفريقيا.

من جانبها، أكدت وزيرة السياحة أن الموقع الاستراتيجي للمغرب إلى جانب استقراره السياسي المتين يجعلانه “وجهة مفضلة حقيقية للمستثمرين من مختلف أنحاء العالم”، مشيرة في الوقت نفسه إلى استمرار الحكومة في تطبيق الإصلاحات الضرورية لتحسين مناخ الأعمال.

إجمالا، يمكن القول إن إنشاء هذا المكتب المتخصص يعزز بقوة من موقع المغرب كقائد إقليمي معترف به في مجال السياحة، كما يفتح آفاقا جديدة ومثيرة للتعاون مع باقي الدول الأفريقية الشقيقة. والهدف النهائي من كل ذلك هو تحويل القارة الأفريقية إلى وجهة سياحية عالمية رائدة، تستفيد على أفضل وجه من تنوعها الثقافي والطبيعي الاستثنائي.

بطبيعة الحال، فإن نجاح هذه المبادرة الطموحة سيعتمد بشكل كبير على قدرة المكتب الجديد على بناء شراكات فعالة حقيقية وتطوير حلول مبتكرة تلبي الاحتياجات المتنوعة لكل دولة أفريقية. وهي مهمة ليست بالسهلة بالتأكيد، لكن الأسس المتينة التي وضعها المغرب على مدى السنوات الماضية تبشر بمستقبل واعد ومشرق للسياحة الأفريقية برمتها.

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى