
مبادرة “Rising Ouarzazate”: رهان المغرب على “هوليود أفريقيا” لاستعادة بريق السياحة الصحراوية
في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة رسم الخريطة السياحية المغربية، أطلق المكتب الوطني المغربي للسياحة (ONMT) مبادرة “Rising Ouarzazate”، وهي خطة طموحة ترمي إلى تموقع مدينة ورزازات كوجهة متميزة تجمع بين سحر الصحراء وثراء الثقافة الأمازيغية وصدى السينما العالمية. تأتي هذه المبادرة في سياق نهضة سياحية مغربية حققت أرقاما قياسية، حيث استقبل المغرب خلال العام 2024 عددا قياسيا من السياح بلغ 17.4 مليون شخص بزيادة 20% عن العام السابق.
ورزازات: من نقطة عبور إلى وجهة استراتيجية
تواجه مدينة ورزازات، التي تُلقب بـ”هوليود أفريقيا” و”بوابة الصحراء”، تحديا حقيقيا رغم شهرتها العالمية. فبحسب دراسات ميدانية، يبلغ معدل إقامة السياح بالمدينة يومين فقط، وهو معدل مستقر منذ عدة سنوات مما يجعل المدينة نقطة عبور فقط. هذا الواقع دفع المكتب الوطني للسياحة إلى تطوير استراتيجية متكاملة لتحويل ورزازات من مجرد محطة عابرة إلى وجهة سياحية حقيقية تستحق البقاء والاستكشاف.
تزخر ورزازات بمقومات استثنائية تجعلها مؤهلة لهذا التحول، فهي تشتهر بمناظرها الطبيعية الخلابة المحيطة بها، وبتصوير أفلام سينمائية عالمية في نواحيها وفي الاستوديوهات الموجودة بها. كما تضم محطة نور وهي أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، مما يضفي عليها بُعداً إضافياً كرمز للتنمية المستدامة والتقدم التكنولوجي.
محاور استراتيجية متعددة الأبعاد
تقوم مبادرة “Rising Ouarzazate” على ثلاثة محاور رئيسية تهدف إلى الاستفادة القصوى من الأصول الفريدة للمدينة. المحور الأول يركز على السياحة الصحراوية، حيث تستغل المبادرة المناظر الصحراوية الخلابة والثقافة البدوية الأصيلة لجذب محبي المغامرة والاستكشاف.
أما المحور الثاني فيتمحور حول التراث السينمائي العريق للمدينة. فورزازات ليست مجرد موقع تصوير، بل اشتهرت بكونها موقعاً للصناعة السينمائية العالمية حيث تم تصوير أفلام عديدة مثل: لورنس العرب Lawrence of Arabia(1962) و المومياء The Mummy (1999) و غلاديايتر Gladiator ومملكة السماء Kingdom of Heaven (2005)، كما تم تصوير جزء من المسلسل التلفزي صراع العروش Game of Thrones.
المحور الثالث يسلط الضوء على الثقافة الأمازيغية والتقاليد المحلية، مما يوفر للزوار تجربة ثقافية غامرة وأصيلة تربطهم بجذور هذه المنطقة العريقة.
استراتيجية إعلامية متطورة لجذب الأسواق الدولية
تعتمد المبادرة على خطة إعلامية متطورة تستهدف الأسواق الأوروبية الرئيسية. من أبرز هذه الجهود إنتاج محتوى أوروبي معاصر حول تاريخ السينما في ورزازات، الذي سيركز على الاستوديوهات الأسطورية والمناظر الطبيعية المذهلة التي جعلت من المدينة مقصداً لكبار صناع السينما العالمية.
تشمل الخطة الإعلامية رعاية فيلم بريطاني في مهرجان أفلام بريطاني، حيث حصلت ورزازات على جائزة أفضل ديكور طبيعي، مما يعزز من مكانتها كوجهة سينمائية مميزة. كما تضم الخطة ظهوراً في برامج تلفزيونية أوروبية مرموقة، منها حلقة على القناة الإيطالية RAI 3 تحت برنامج GEO، تركز على العلاقة بين المنطقة والثقافة البدوية والتقاليد الأمازيغية، بالإضافة إلى حلقة خاصة على Sky TV Gamberorosso مخصصة للمطبخ المغربي الجنوبي، مقررة لأكتوبر 2025.
فعاليات دولية لترسيخ الحضور العالمي
تراهن المبادرة على تنظيم فعاليات دولية رفيعة المستوى لجذب الانتباه العالمي وترسيخ مكانة ورزازات كوجهة للمؤتمرات والفعاليات الدولية. من أبرز هذه الفعاليات قمة نساء الصحراء المقررة في النصف الثاني من عام 2025، والتي ستجمع 150 قائدة نسائية من جميع أنحاء العالم.
كما تتضمن الخطة مؤتمر CEAV في أكتوبر 2025، والذي سيستضيف 100 وكيل سفر إسباني لترويج الوجهة، بالإضافة إلى مشاركة في فعاليات IDEMICE وFrameless للاستفادة من سوق السياحة MICE (الاجتماعات، الحوافز، المؤتمرات، والمعارض). هذه الفعاليات لا تقتصر على الترويج السياحي فحسب، بل تهدف إلى وضع ورزازات على الخريطة العالمية كمركز للحوار والتبادل الثقافي والاقتصادي.
التحديات والفرص في سياق التنمية المستدامة
رغم الطموحات الكبيرة، تواجه مبادرة “Rising Ouarzazate” تحديات حقيقية تتطلب حلولاً مبتكرة. أبرز هذه التحديات ضعف البنيات التحتية، ورداءة وسائل النقل وقلتها وعدم تنوعها وكذا تجهيزات الاستقبال. هذا الواقع يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والخدمات اللوجستية.
في هذا السياق، تأتي الاستثمارات الجارية في المنطقة كعامل محفز للنمو السياحي. فقد خصص المغرب لإقليم ورزازات استثمارات إجمالية قدرها 283 مليون درهم، بما في ذلك 102 مليون درهم بين 2023-2024 و181 مليوناً بين 2025-2027. هذه الاستثمارات تشمل تطوير المنتجات السياحية وتحسين البنية التحتية وتعزيز قدرات الاستقبال.
وفي إطار دعم القطاع الخاص، سيتم تقديم منح مالية في أفق تسريع جذب الاستثمار الخاص على مستوى جميع الأقاليم، من بينها أكثر من 80 مليون درهم للمقاولات السياحية والحرفية الصغيرة.
البعد المحلي والمشاركة المجتمعية
تؤكد السيدة إيمان صابر، رئيسة المجلس الإقليمي لورزازات، أن المدينة تستعد لتجاوز مرحلة حاسمة في مسار تنميتها السياحية، وذلك بفضل مجموعة من المبادرات الهامة، وعلى رأسها إعادة فتح العديد من المؤسسات الفندقية التي تخضع حالياً لعمليات تجديد وتأهيل شاملة.
كما أشارت إلى أن المجلس الإقليمي للسياحة بورزازات أعد خطة عمل محلية، تستمد جذورها من واقع الإقليم وتحدياته. ويهدف هذا البرنامج، الذي تم إعداده بمنهجية تشاركية، إلى مواءمة تطلعات مهنيي القطاع.
رؤية مستقبلية لسياحة متنوعة ومستدامة
تطمح مبادرة “Rising Ouarzazate” إلى تحقيق تنوع حقيقي في المنتج السياحي المغربي من خلال اعتماد رؤية تعتبر أن لكل وجهة مغربية شخصية مستقلة تستحق خطة مخصصة ومحتوى يليق بفرادتها. هذا النهج يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية التي ترتكز على تسع سلاسل موضوعاتية وخمس سلاسل أفقية، بما يسمح لكل جهة مغربية بصياغة عرض سياحي متجدد يتماشى مع خصوصياتها الطبيعية والثقافية.
في السياق الإقليمي، تبرز توصيات المنتدى الجهوي للسياحة والسينما الذي عُقد بورزازات، والتي تدعو إلى إحداث مهرجان دولي للسينما بورزازات يوازي السمعة العالمية للجهة بهدف الترويج للثقافة السينمائية والسياحية بجهة درعة تافيلالت، بالإضافة إلى إخراج مشروع القرية السينمائية بورزازات إلى حيز الوجود.
مسار طموح نحو الريادة السياحية
تمثل مبادرة “Rising Ouarzazate” نموذجا متطورا للتخطيط السياحي الاستراتيجي الذي يراعي الخصوصيات المحلية ويستثمر في الأصول الفريدة لكل وجهة. من خلال الجمع بين التراث السينمائي والثقافة الأمازيغية والمناظر الصحراوية الخلابة، تسعى هذه المبادرة إلى تحويل ورزازات من نقطة عبور إلى وجهة سياحية متكاملة تستحق الاستكشاف والاستمتاع.
النجاح في تنفيذ هذه المبادرة يتطلب تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الربط الجوي والبري، وتأهيل الموارد البشرية. كما يستدعي الأمر استمرارية في الترويج والتسويق، والحفاظ على جودة الخدمات المقدمة للزوار.
في ظل الأرقام القياسية التي حققها المغرب في السياحة عام 2024، والاستعدادات لاستضافة كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، تأتي مبادرة “Rising Ouarzazate” كرافعة إضافية لتعزيز مكانة المغرب كوجهة سياحية عالمية متنوعة ومتميزة. إن نجاح هذه المبادرة لن يقتصر على ورزازات وحدها، بل سيشكل نموذجاً يُحتذى به في تطوير الوجهات السياحية الأخرى عبر ربوع المملكة، مما يساهم في تحقيق الهدف الطموح المتمثل في استقطاب 26 مليون سائح بحلول 2030.
اقرأ أيضا: