
كيف ستراقب السفارة الأمريكية بالمغرب الحسابات الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي للمتقدمين على التأشيرة؟
نشرت السفارة الأمريكية بالمغرب يوم الأربعاء 19 يوليوز 2025 إعلانا مهما على صفحتها الرسمية على فيسبوك يتضمن تغييرات جوهرية في إجراءات التقديم للتأشيرة الأمريكية. الإعلان، الذي حمل عنوان “Every visa adjudication is a national security decision”، أوضح أنه اعتبارا من الآن، جميع الأفراد المتقدمين للحصول على تأشيرات غير الهجرة من فئة F أو M أو J مطالبون بتعديل إعدادات الخصوصية على جميع حساباتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي إلى “عامة” (public) لتسهيل عملية التدقيق اللازمة لتحديد هويتهم ومدى أهليتهم للدخول إلى الولايات المتحدة.
هذا الإعلان يأتي في إطار تعزيز الإجراءات الأمنية التي تعتبر كل قرار منح تأشيرة بمثابة قرار أمني وطني. السفارة الأمريكية أكدت أن هذا الإجراء يهدف إلى تسهيل عملية التدقيق الضرورية لضمان أن المتقدمين لا يشكلون أي تهديد للأمن القومي الأمريكي.

السياق التاريخي لهذا القرار
لفهم أهمية هذا الإعلان، يجب العودة إلى السياسات التي بدأت تطبيقها الولايات المتحدة منذ 31 مايو 2019. في ذلك التاريخ، أدخلت وزارة الخارجية الأمريكية تعديلات جذرية على نماذج طلب التأشيرة DS-160 و DS-260، حيث أصبح من الإلزامي على المتقدمين تقديم معرفات حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي استخدموها خلال السنوات الخمس الماضية.
هذا التطور لم يكن مفاجئا، بل جاء نتيجة لتزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في الحياة اليومية وإدراك السلطات الأمريكية لأهمية هذه المنصات في تقييم شخصية وخلفية المتقدمين. الإجراء الجديد الذي أعلنته السفارة الأمريكية بالمغرب يمثل خطوة إضافية في هذا الاتجاه، حيث لم يعد كافيا مجرد تقديم معرفات الحسابات، بل أصبح مطلوبا جعل جميع المحتوى متاحا للعامة.
هل ستطلب السفارة كلمات المرور الخاصة بالحسابات الشخصية؟
طبعا لن تطلب السلطات الأمريكية كلمات المرور الخاصة بالحسابات، إذ أن ذلك يعتبر انتهاكا صريحا للخصوصية وغير مسموح به قانونيا. لكن بدل ذلك، ستعتمد على المعلومات المتاحة بشكل علني على هذه المنصات.
كيف ستتم عملية المراقبة والتدقيق؟
عندما يقوم المتقدم بتغيير إعدادات الخصوصية إلى “عامة”، يصبح بإمكان أي شخص، بما في ذلك موظفي السفارة والمسؤولين الأمنيين، الوصول إلى جميع المنشورات والتعليقات والصور ومقاطع الفيديو والمعلومات الشخصية المتاحة على الملف الشخصي. هذا يتضمن أيضا قوائم الأصدقاء والمتابعين والصفحات التي يتابعها المستخدم والمجموعات التي انضم إليها.
التدقيق لا يتم بشكل عشوائي، بل يعتمد على مزيج من المراجعة اليدوية والتحليل التقني المتقدم. السلطات الأمريكية تستخدم أدوات تحليلية متطورة وخوارزميات معقدة قادرة على فحص كميات كبيرة من البيانات في وقت قصير. هذه الأدوات تساعد في اكتشاف الأنماط المشبوهة والتناقضات في المعلومات والروابط المحتملة مع أنشطة غير مشروعة.
ما هي المحتويات التي يمكن بسببها رفض التأشيرة
يعد فهم طبيعة المحتوى الذي تبحث عنه السلطات الأمريكية أمر بالغ الأهمية للمتقدمين. التركيز الأساسي ينصب على تأكيد الهوية والخلفية الشخصية للمتقدم والتأكد من أن المعلومات المقدمة في طلب التأشيرة تتطابق مع ما هو متاح على وسائل التواصل الاجتماعي.
السلطات تبحث عن أي مؤشرات لأنشطة غير قانونية أو انتماءات لمنظمات خطيرة أو تهديدات محتملة للأمن القومي. هذا يشمل أي محتوى يمكن أن يُفسر على أنه دعم للإرهاب أو التطرف أو العنف أو الكراهية ضد أي مجموعة عرقية أو دينية أو قومية.
من ناحية أخرى، فإن المحتوى الذي يُظهر الاهتمام بالثقافة الأمريكية والتعليم والأنشطة الثقافية المشروعة يعتبر إيجابيا. التعبير السلمي عن الآراء السياسية والمشاركة في النقاشات الحضارية والإنسانية لا يثير القلق، بل قد يساهم في إعطاء صورة إيجابية عن شخصية المتقدم.
هل الموقف من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يمكن أن يؤثر على قرار منح التأشيرة؟
واحدة من أكثر المخاوف التي تشغل بال المتقدمين للحصول على التأشيرة الأمريكية تتعلق بتأثير مواقفهم السياسية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحساسة مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. الحقيقة أن هذه المواقف يمكن أن تؤثر بالفعل على قرار منح التأشيرة، ولكن التأثير يعتمد بشكل كبير على طبيعة وشكل التعبير عن هذه المواقف.
تفرض الولايات المتحدة سياسات صارمة للغاية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف. لذلك فأي محتوى يُظهر دعما لجماعات تصنفها الولايات المتحدة كمنظمات إرهابية، مثل حماس أو حزب الله أو أي جماعات أخرى مدرجة في قوائم الإرهاب الأمريكية، سيؤدي حتما إلى رفض طلب التأشيرة. هذا الأمر لا يقتصر على الدعم المباشر، بل يمتد إلى أي محتوى يمكن تفسيره على أنه تبرير أو تمجيد لأعمال العنف أو الإرهاب.
يمثل التحريض على العنف خطا أحمر آخر لا يمكن تجاوزه. .وعلى أساس ذلك فإن أي محتوى يمكن تفسيره على أنه دعوة للعنف أو التحريض عليه أو تبريره، بغض النظر عن السياق، سيُعتبر سببا لعدم الأهلية للحصول على التأشيرة. حتى الاستخدام المجازي أو الرمزي للعنف في التعبير عن المواقف السياسية يمكن أن يُفسر بشكل سلبي.
تخضع اللغة والمصطلحات المستخدمة أيضا لفحص دقيق، فاستخدام مصطلحات مرتبطة بجماعات متطرفة أو خطاب الكراهية، حتى لو لم تكن النية سيئة، يمكن أن يُفسر بشكل سلبي من قبل مسؤولي التأشيرات. تستخدم السلطات الأمريكية قواعد بيانات متطورة تحتوي على مصطلحات وعبارات مرتبطة بالأنشطة المشبوهة والتطرف.
في المقابل، التعبير السلمي عن التعاطف مع ضحايا الصراع أو انتقاد سياسات معينة أو الدعوة إلى حل سلمي للنزاعات لا ينبغي أن يؤثر سلبيا على طلب التأشيرة. فحرية التعبير عن الآراء السياسية السلمية محمية ومعترف بها، والولايات المتحدة تقدر التنوع في الآراء والمواقف السياسية طالما أنها لا تدعو إلى العنف أو الكراهية.
ماذا عن المحتويات المنشورة قبل 2019
تثير قضية المحتوى القديم تساؤلات مهمة حول نطاق المراقبة الزمني. وفقا للسياسة الرسمية التي دخلت حيز التنفيذ في مايو 2019، يُطلب من المتقدمين تقديم معرفات حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي استخدموها خلال السنوات الخمس الماضية. هذا يعني أن المحتوى الذي يعود إلى ما قبل عام 2020 لا يقع ضمن الفترة الزمنية المحددة رسميا.
لكن هذا لا يعني أن المحتوى الأقدم محمي بالكامل من المراجعة. إذا كانت المنشورات القديمة ما زالت متاحة للعامة على الإنترنت، فيمكن للسلطات الأمريكية الوصول إليها من خلال محركات البحث أو الروابط المباشرة، فالمحتوى الرقمي له خاصية الديمومة، وما ينشر على الإنترنت يمكن أن يبقى متاحا لسنوات طويلة حتى بعد محاولة إزالته.
هناك أيضا مسألة الروابط والاتصالات بين الحسابات القديمة والحديثة. إذا كان هناك ربط واضح بين الحسابات الحالية التي سيتم الكشف عنها والحسابات القديمة، فقد يتمكن المسؤولون من الوصول إلى المحتوى القديم. هذا يحدث عادة عندما يستخدم الشخص نفس الاسم أو البريد الإلكتروني أو رقم الهاتف عبر منصات مختلفة أو عبر فترات زمنية مختلفة.
يمثل المحتوى المحذوف تحديا آخر. حتى لو قام المستخدم بحذف منشورات أو تعليقات معينة، فإن هذا المحتوى قد يكون قد تم أرشفته من قبل محركات البحث أو مواقع الأرشفة أو حتى تم حفظه من قبل مستخدمين آخرين، إذ إن التقنيات المتقدمة تسمح بالوصول إلى المحتوى المحذوف في كثير من الحالات.
كيفية الاستعداد لعملية التدقيق في حساباتك الشخصية
يتطلب الاستعداد الصحيح لعملية التدقيق يتطلب منهجية وشاملة. تتمثل الخطوة الأولى في إجراء مراجعة شاملة لجميع الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا لا يشمل فقط المنصات الرئيسية مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام وتيك توك، بل أيضا المنصات الأقل استخداما مثل لينكد إن وبنترست وأي منصات أخرى قد يكون المتقدم قد استخدمها.
يجب أن تشمل المراجعة جميع أنواع المحتوى المنشور، بما في ذلك المنشورات الأصلية والتعليقات على منشورات الآخرين والمحتوى المشارك من مصادر أخرى والصور ومقاطع الفيديو. حتى الإعجابات والتفاعلات البسيطة يمكن أن تُفسر وتُحلل، لذا من المهم مراجعة تاريخ التفاعل مع المحتوى.
بعد المراجعة، يجب تحديد أي محتوى قد يثير الشكوك أو يُفسر بشكل سلبي. هذا يتضمن أي منشورات تتعلق بالسياسة أو الدين أو القضايا الاجتماعية الحساسة أو أي محتوى يمكن أن يُربط بالعنف أو التطرف أو الكراهية. المحتوى الذي يحتوي على لغة قاسية أو مصطلحات مثيرة للجدل يجب أيضا مراجعته بعناية.
تعد إزالة أو تعديل المحتوى المشكوك فيه خطوة حاسمة في عملية الاستعداد. هذا لا يعني إزالة كل المحتوى السياسي أو الديني، بل التركيز على المحتوى الذي يمكن أن يُفسر بشكل خاطئ أو يثير الشكوك. المبدأ الأساسي هو إزالة أي شيء يمكن أن يُعتبر دعما للعنف أو التطرف أو الكراهية أو أي أنشطة غير مشروعة.
كيف يجب أن توازن بين الشفافية والخصوصية
جعل الحسابات عامة يطرح تساؤلات مهمة حول التوازن بين متطلبات الشفافية والحق في الخصوصية. هذا الإجراء يعرض المعلومات الشخصية للعامة، مما قد يؤدي إلى مخاطر أمنية أو انتهاكات للخصوصية. لذا من المهم اتخاذ إجراءات احترازية لحماية البيانات الشخصية الحساسة.
قبل جعل الحسابات عامة، يُنصح بإزالة أو إخفاء المعلومات الشخصية الحساسة مثل أرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني والعناوين المنزلية وأي معلومات مالية أو طبية. يجب أن تكون معلومات الاتصال محدودة بالحد الأدنى الضروري.
يجب مراجعة إعدادات الأمان والخصوصية بعناية لضمان أن المعلومات الحساسة محمية. هذا يشمل إعدادات المراسلة والبحث والعلامات الجغرافية والمعلومات الشخصية الأخرى. الهدف هو تحقيق التوازن بين الامتثال لمتطلبات السفارة وحماية الخصوصية الشخصية.
تعد المراقبة المستمرة للحسابات بعد جعلها عامة أمرا مهما أيضا. كما أن المحتوى الذي ينشر بعد تقديم طلب التأشيرة يمكن أن يؤثر على القرار النهائي، لذا من المهم الاستمرار في الحذر والحكمة في النشر والتفاعل على هذه المنصات.
توجيهات للراغبين في استخراج تأشيرة أمريكا من المغرب
بالنسبة للمتقدمين المغاربة وغيرهم من الراغبين في الحصول على التأشيرة الأمريكية، هذا الإجراء يتطلب تحضيرا دقيقا وفهما عميقا لطبيعة العملية الجديدة. كما أن الشفافية والصدق في التعامل مع هذه المتطلبات هما المفتاح الأساسي للنجاح.
في ظل الرقابة الإلكترونية التي باتت تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على الراغبين في الدخول إلى أراضيها أصبح من الضروري التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بمسؤولية وحكمة أكثر من أي وقت مضى. المحتوى الذي ننشره اليوم يمكن أن يؤثر على فرصنا المستقبلية في السفر والدراسة والعمل في الخارج. هذا لا يعني تقييد حرية التعبير، بل يعني ممارسة هذه الحرية بوعي ومسؤولية.
اقرأ أيضا